إعلان

الجمعة، 21 يوليو 2017

الحائك المتطبب


وروى أبو محمد الخشَّاب النحوي قال: جاز بعض الحاكة على طبيب، فرآه يصف لهذا النقوع ولهذا التمر الهندي، فقال: مَن لا يُحسن مثل هذا؟ فرجع إلى زوجته فقال: اجعلي عمامتي كبيرة. فقالت: ويحك، أي شيء طرأ لك؟ قال: أريد أن أكون طبيبًا.  قالت: لا تفعل؛ إنك تقتل الناس فيقتلونك. قال: لا بُد. فخرج أول يوم، فقعد يصف للناس، فحصَّل قراريط. فجاء وقال لزوجته: أنا كنت أعمل كل يوم بجبَّة، فانظري ما حصل لي! فقالت: لا تفعل. قال: لا بد. فلما كان في اليوم الثاني اجتازت جارية فرأته، فقالت لسيدتها — وكانت شديدة المرض: اشتهيتُ هذا الطبيب الجديد يداويكِ. قالت: ابعثي إليه. فجاء، وكانت المريضة قد انتهى مرضها ومعها ضعف، فقال: عليَّ بدجاجة مطبوخة. فأكلت وقويت ثم استقامت، فبلغ هذا إلى صاحب البلد، فجاء به فشكى إليه مرضًا يشتكيه، فاتفق أنه وصف له شيئًا صلح به، فاجتمع إلى حاكم البلد جماعة يعرفون ذاك الحائك، فقالوا له: هذا رجل حائك لا يدري شيئًا! فقال الحاكم: هذا قد صلحتُ على يديه وصلحت الجارية؛ فلا أقبل قولكم. قالوا: فنجربه بمسائل. قال: افعلوا. فوضعوا له مسائل وسألوه عنها، فقال: إن أجبتكم عن هذه المسائل لم تعلموا جوابها؛ لأن الجواب لهذه المسائل لا يعرفه إلا طبيب، ولكن أليس عندكم مارستان؟ قالوا: بلى، فجاء إلى باب المارستان، وقال: اقعدوا، لا يدخل معي أحد. ثم دخل وحده ليس معه إلا قَيِّم المارستان، فقال للقيم: إنك ولله إن تحدثت بما أعمل صلبتك، وإن سكتَّ أغنيتك. قال: ما أنطق. فأحلفه يمينًا محرجة، ثم قال: عندك في هذا المارستان زيت؟ قال: نعم، قال: هاته. فجاء منه بشيء كثير، فَصَبَّهُ في قدر كبير ثم أوقد تحته، فلما اشتد غليانه صاح بجماعة المرضى، فقال لأحدهم: إنه لا يصلح لمرضك إلا أن تنزل في هذا القدر فتقعد في هذا الزيت. فقال المريض: لله لله في أمري. قال: لابد. قال: أنا قد شُفيت وإنما كان بي قليل من الصداع. قال: أيش يقعدك في المارستان وأنت معافى؟ قال: دعني أخرج. قال: فاخرج وأخبرهم. فخرج يعدو ويقول: شُفِيتُ بإقبال هذا الحكيم، ثم جاء إلى آخر فقال: لا يصلح لمرضك إلَّا أن تقعد في هذا الزيت. فقال: الله الله، أنا في عافية. قال: لا بد. قال: لا تفعل، فإني من أمس أردت أن أخرج. قال: فإن كنت في عافية فاخرج وأخبر الناس بأنك في عافية. فخرج يعدو ويقول: شُفِيتُ ببركة الحكيم. وما زال على هذا الوصف حتى أخرج الكل شاكرين له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق